جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح مقدمة التفسير لابن تيمية
89840 مشاهدة
ما جاء عن الصحابي في بيان سبب النزول

يقول: تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند؟ يعني مرفوع، كما يذكر السبب الذي أنزلت لأجله يعني هل يكون مرفوعا أو يكون تفسيرا من الصحابة ليس بحديث مسند مرفوع؟ يعني مجرى التفسير الذي ليس بمسند.
البخاري رحمه الله أكثر في تفسيره بالصحيح من هذه الأسباب واعتبرها مرفوعة، مع أنه كان رحمه الله يهتم بالأحاديث المرفوعة، إنما وضع كتابه للمرفوعات التي يرويها بأسانيده، فرأى أن أسباب النزول وإن لم يذكر أنها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنها مرفوعة يدخلها بالمسند، وآخرون لا يدخلونها في المسند كمسلم، ولهذا ما روى في صحيحه شيئا إلا قليلا من هذا الجنس، يقول: أكثر المسانيد على هذا الاصطلاح يعني: أنهم يجعلونها موقوفة كمسند أحمد وغيره.
أما إذا ذكر سببا نزلت الآية عقبه، فإنهم كلهم يدخلون مثل هذا في المسند، مثال سؤال عويمر العجلاني عن اللعان فإن هذا يعتبر مسندا، وكذلك قصة عمر لما أنه تضرر بترك الوطء في ليالي الصيام، وغيره يعتبر هذا أيضا مسندا؛ لأنهم اشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت الآية، يقول: إذا عرف هذا فقول أحدهم: نزلت في كذا، ثم يقول الآخر: نزلت في كذا يعني يذكرون لها سببين، فالجواب أنه إذا كان اللفظ يتناولهما فلا منافاة، لا منافاة بينهما؛ لأن الآية تعم هذا وهذا، يكثر ما إذا قالوا: نزلت في فلان، أو نزلت في فعل كذا وكذا ولا يذكرون أن هذا خاص، فلا يحصل هناك منافاة بينهما، فمعرفة مثال قول الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ هو الحج.
ذكر أن بعضهم سأل النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال الهلال يبدو ضعيفا ثم يتكامل؟ نزلت الآية أنه مواقيت للناس، يعني: جعل صغيرا حتى يعرف مبدأ الشهر، ثم قال بعضهم: إنها نزلت في سؤالهم: ما الحكمة في الأهلة؟ فقيل: مواقيت للناس فلا ينافي أحد السببين الآخر، ويذكرون هذا كثيرا في بعض الأسباب، مثل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ذكر أنها نزلت في أناس كانوا يتمنون القتال فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ أرادوا القتال فقيل لهم كفوا أيديكم، ولها أسباب أخرى.
فإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله وذكر آخر سببا فقد يمكن صدقهما؛ بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب. ذكر ذلك بعضهم في آية اللعان؛ لأن أحد الرواة قال: نزلت في عويمر والثاني قال: نزلت في هلال ولعل الصحيح أنها نزلت عقب قصتهما أو عقب سؤالهما؛ لأن سؤالهما كان متقاربا، نزلت عقب تلك الأسباب وقيل: نزلت مرتين: مرة بسبب هلال ومرة بسبب عويمر، والأقرب أنها نزلت مرة واحدة؛ ليدخل فيها هذا السبب وغيره.